عند متابعة قنوات التحليل الفني أو القنوات الإخبارية فإنك بكل تأكيد ستتعرض لمصطلح المزاج العام للسوق الذي قد يوصى في بعض الأوقات باتباعه كإشارة تداول بغض النظر عن مخرجات التحليل الفني القائمة بالفعل، فهل يمتلك السوق مزاجاً بالفعل؟
تتكون الأسواق المالية العالمية من عدة مكونات أبرزها الأفراد المشكلين لهذا السوق، وهي القوة المحركة الأساسية له، يشار هنا إلى أن النفس البشرية تتصرف بناءً على دوافع ورغبات وآمال وطموحات والتي بالأساس تتأثر من حركة السوق وتؤثر به أيضاً، التداول مع الحشد أو ما يعرف بمزاجية السوق هو أحد الوسائل لفهم أعمق للحركة السعرية, خلال المقال التالي سنقوم بتوضيح المقصود بالمزاج العام للسوق وكيفية قراءته والاستفادة منه.
ما هو المزاج العام للسوق؟
بشكل أساسي هو وصف الحالة المزاجية الحالية للأفراد المشكلين لميزان الطلب والعرض، وهو انعكاس لمزاج غالبية المتداولين في السوق التي من الممكن أن تتغير بين الحين والآخر بحسب الظروف، هذا المزاج العام يشكل حالة التوازن أو الاختلال في ميزان الطلب والعرض على أداة مالية ما متأثرة بعوامل خارجية منها الأخبار الاقتصادية على هذه الأداة، فكم مرة تحركت الأسواق في اتجاه مغاير لاتجاه تأثير الخبر الذي تم اعلانه قبل قليل؟ الجواب هو آلاف المرات أو في أغلب المرات قبل أن يعاود التحرك في اتجاهه الصحيح، وكم مرة تحركت الأسواق بشكل لحظي في نفس اتجاه تأثير الخبر الذي تم اعلانه ولكن لم يصمد هذا الاتجاه المتشكل حديثاً وبدء بالانعكاس بعد قليل من الوقت.
مزاج السوق يمكن تشبيهه بالعدوى الفيروسية سريعة الانتشار التي تسيطر على السوق فتدفع الاتجاه الحالي لمزيد من التحرك أو تلغيه وتدفع السعر لعكس الاتجاه، مثلاً إذا قمت بدخول صفقة بيع على الدولار الأمريكي مقابل الين الياباني USDJPY وتم الإعلان عن أخبار ايجابية على الدولار الأمريكي أدت لتحسن المزاج العام نحو الدولار الامريكي، قد يتملكك شعور بالخطر تجاه مركز المالي المفتوح بالفعل ولكن روح المخاطرة أيضاً شكلت لديك دوافع أعمق للاستمرار بغض النظر عن مزاج السوق الحالي، فإن المزاج العام الحالي للسوق قد يدفع الأسعار للارتفاع؛ الأمر الذي قد يعرضك لخسارة، وننوه هنا إلى أن فهم مزاجية السوق هو أمر مهم لتجنب مثل هذه المواقف، ولكن يجب التفريق بين مزاج السوق والتحليل الأساسي لتقديم فهم شامل.
ما الفرق بين المزاج العام للسوق والتحليل الاساسي؟
مزاجية السوق هي شكل من أشكال التحليل الأساسي، أو بمعنى أدق، هي انعكاس للتحليل الأساسي وليست هو بحد ذاته، هذا الانعكاس قد يتشكل في بعض الأحيان بعيداً عن مكونات التحليل الاساسي، حيث أنه يؤثر على السوق على المدى القصير، المتوسط، والبعيد، أما مزاج السوق فإن تأثيره لحظي قد يمتد من بضع دقائق وحتى عدة جلسات تداول على أقصى حد، أي أنه رد فعل المتداولين الأولي على معطيات التحليل الاساسي، وبناء على هذه الحقيقة فإنه ينصح الاعتماد عليه بشكل مركز عند التداول على الأطر الزمنية طويلة المدى: الإطار الزمني اليوم فأعلى، وينصح بمراقبة مزاج السوق عند التداول على الأطر الزمنية قصيرة المدى: الإطار الزمني للنصف ساعة فأقل.
لتوضيح الفرق بين التحليل الاساسي ومزاج السوق، لنفترض بأن المركزي الأوروبي يخطط لرفع أسعار الفائدة، هذا الخبر هو صلب عملية التحليل الأساسي، سيؤدي لارتفاع قيمة اليورو الأوروبي على الأطر الزمنية طويلة المدى، ولكن هذا الارتفاع لا يمكن بتوصيل السعر من نقطة أدنى إلى نقطة أعلى بشكل مباشر، بل يتحرك على شكل موجات صاعدة وموجات تصحيحية هابطة، التحليل الاساسي هو الدافع للارتفاع أما مزاج السوق فهو الدافع للتصحيح الذي قد يبدو على الأطر الزمنية قصيرة المدى موجات هابطة متكاملة الأركان.
أنواع مزاج السوق العام
المزاج العام المخاطر
يشير لانعكاس تخوفات المستثمرين على الحركة السعرية عند تداول أدوات مالية عالية الحساسية تجاه الخطر في الأسواق مثل بعض العملات الرئيسية والأسهم وعملات الأسواق الناشئة، في حالة الخطر فإن بعض العملات تصبح ذات إقبال مثل أزواج الدولار الأمريكي مقابل الين الياباني والدولار الاسترالي مقابل الدولار الامريكي والدولار النيوزلندي مقابل الدولار الأمريكي نظراً للفائدة المرتفعة لهذه الأزواج.
في حالة المزاج العام المخاطر يميل البعض للاستفادة من تقلبات العملات الاقتصادية الناشئة مثل الليرة التركية والبيزو المكسيكي وبعض الأسهم التي تتمتع بمستويات تقلب عالية، فبرغم خطورتها يميل البعض للتوجه نحو الاستفادة من هذه التقلبات برصيد مخاطرة مرتفع.
المزاج العام الآمن
هذا النوع يتجه نحو العزوف عن المخاطرة والتوجه للأدوات المالية الآمنة، عملات الأمان هي عملات الدول التي تمتلك رصيد تجاري فائض، بمعنى أنها تصدر بضائع وخدمات بأرصدة أعلى مما تستورد، هذا الفائض يكون انعكاس للنظام الاقتصادي والسياسي المستقر كذلك تتصف بانخفاض مستويات الدين العام مقابل الناتج المحلي الإجمالي مثل الفرنك السويسري والدولار الأمريكي وسندات الخزينة التي تعتبر من أعلى الأدوات الاستثمارية أماناً.
كيف نحدد المزاج العام الحالي للسوق؟
مؤشرات الحجم هي الأساس في تحديد مستويات المزاج العام، حيث أن هذه المؤشرات تقوم بقياس “حجم التكة” واعدادها وكثافتها وقوتها خلال فترة زمنية معينة في التقلبات السعرية مما تتوفر بيانات حول أحجام التداول على الأصل المالي، فإذا كانت الأسعار مثلاً تتجه للارتفاع وفي نفس الوقت تعطي مؤشرات الحجم مستويات منخفضة فهذا الأمر يعتبر إشارة لتراجع قوة المزاج العام للسوق والميل إلى الأمان، ولعل أبرز هذه المؤشرات هو مؤشر OBV الذي قمنا بشرحه وتفصيل طريقة استخدامه في مقال منفصل.
ختاماً
استقراء مزاج السوق هو أحد أهم الأدوات عند بدء التداول، نفسية التداول لا تبدأ فقط بفهم دوافعك عزيزي المتداول ولكن أيضاً بفهم السلوك الجمعي والتداول مع الحشد ودوافعه، ولفهم تعقيدات السلوك البشري ننصح دائماً باستخدام أدوات رقمية دقيقة مثل مؤشرات الحجم التي توفر امكانية استقراء مزاج السوق بدون الحاجة للمخاطرة بغياب بعض المعلومات عند التي من الممكن أن تودي بك إلى استقراء خاطي.