لا تكاد تخلو أي معاملة مالية في عصرنا الحديث من مصطلح معدلات الفائدة، فهي بمثابة الوقود لقطارات الائتمان والإقراض، وهي جزأ لا يتجزأ من دورة الأموال في القطاع الاقتصادي، حيث إنها بمثابة حجر الأساس للعديد من المعاملات المالية مثل الاقتراض، الرهن والتقسيط.
وطالما أن الفائدة جزء أساسي من النظام المالي، فإن التعرف على مفهوم الفائدة وأنواعها يعتبر أمرا ضروريا لفهم دورها في العملية الاقتصادية وطبيعة تأثيرها على النواحي المختلفة من حياتنا.
ما هي معدلات الفائدة؟
الفائدة هي تكلفة اقتراض المال، بمعنى آخر هي أموالا إضافية يتم دفعها بالإضافة إلى المبلغ الأساسي، حيث تقوم الجهة المقرضة (سواء كانت بنوك، شركات أو أشخاص) بفرض دفع هذه الأموال على المقترض بالإضافة إلى المبلغ الأساسي الذي قام باقتراضه ضمن مدة زمنية معينة، وتختلف قيمة الفائدة المفروضة (سعر الفائدة) وفقا لقيمة المبلغ الذي تم اقتراضه فيتم احتسابها كنسبة مئوية.
يمكن للشخص أن يدفع الفائدة أو يتلقاها، فمثلا إذا رغب شخص ما في شراء سيارة يبلغ ثمنها 10 آلاف دولار وهو لا يمتلك هذا المبلغ سيتوجه إلى البنك لاقتراض المبلغ وفقا لضمانات معينة، وبالطبع سيقوم البنك بإقراضه المال على أن يقوم بسداده ضمن مدة معينة يتم الاتفاق عليها بنسبة فائدة 8% من قيمة المبلغ المقترض مثلا، في هذه الحالة يجب على المقترض دفع مبلغ 10 آلاف دولار بالإضافة إلى 8% من قيمته أي 800 دولار ضمن المدة المحددة.
في المقابل، يمكن لشخص يمتلك 5 آلاف دولار ويود استثمارها بأسهل الطرق وأكثرها أمانا من وجهة نظره، فبتوجه إلى البنك ليقوم بإيداعها لديه ضمن حساب توفير أو شهادة إيداع Certificate of Deposit (CD)، ويتم الاتفاق على أن يتقاضى هذا الشخص المودع فائدة تبلغ قيمتها 6% من قيمة أمواله مثلاً يتقاضاها بشكل سنوي مقابل وجود أمواله في البنك، أي أنه إذا أراد سحب المبلغ الذي قام بإيداعه بعد عام من تاريخ الإيداع يمكنه سحب 5000 دولار بالإضافة إلى 6% من قيمة أمواله كفوائد للإيداع أي 300 دولار.
في الحالة الأولى تكون الفائدة هي تكلفة الاقتراض، وفي الحالة الثانية تكون الفائدة هي تكلفة الائتمان، حيث تقوم البنوك عادة إما باستخدام الأموال المودعة لديها في الاستثمار وجني المزيد من الأموال أو بإقراض أموال المودعين لديها إلى المقترضين بسعر فائدة أعلى من قيمة الفائدة التي تقوم بدفعها للمودعين، وهكذا تحقق أرباحها وتدفع للمودعين مقابل استخدام أموالهم.
وتختلف المدة الزمنية التي يتم دفع الفائدة خلالها، فمن الممكن أن يتم دفعها بشكل شهري، نصف سنوي، أو سنوي وفقا لنظام العمل المتبع والاتفاق بين الجهة المقرضة والجهة المقترضة.
فهم سعر الفائدة
تعتبر الفائدة عبارة عن رسوم يتحملها المقترض مقابل استخدام الأصل، الصورة الأكثر انتشاراً للأصول المقترضة هي الأصول النقدية إلا أن هناك حالات أخرى للأصول المقترضة مثل السلع الاستهلاكية، المركبات والممتلكات، وبالتالي يمكننا اعتبار سعر الفائدة هنا هو “تكلفة المال” في حالة الأصول النقدية و”رسوم التأجير” في حالة الأصول الأخرى.
يقوم الأفراد باقتراض المال لشراء المنازل، تمويل المشاريع، دفع الرسوم الجامعية، إنشاء الأعمال التجارية أو تمويلها، في حين تقوم الشركات بالاقتراض لتمويل المشاريع الرأسمالية وتوسيع عملياتها عن طريق شراء أصول ثابتة وطويلة الأجل مثل الأراضي، المباني، والآلات.
يتم سداد الأموال المقترضة إما بمبلغ إجمالي في تاريخ محدد مسبقاً يتم الاتفاق عليه بين طرفي المعاملة أو على أقساط دورية، معدل الفائدة يكون بمثابة تكلفة الديون للمقترض ومعدل العائد للمقرض، تكمن الفكرة في وجود الفائدة وفي كون المبلغ المالي المطلوب سداده أكبر من المبلغ المقترض في أن المقرضين يطلبون تعويضا عن فقدان استخدام الأموال خلال فترة القرض، في حين كان بإمكان المقرض استثمار الأموال خلال تلك الفترة بدلا من تقديمها كقرض مما سيجني له ربحا ويحقق دخلا من هذه الأموال، بمعنى آخر تنتج الفائدة من تكلفة الفرصة البديلة المتكبدة بسبب عدم قدرة المقرض على استخدام الأموال التي تم إقراضها، ويمكننا تسمية الفرق بين المبلغ الأصلي المقترض والمبلغ المطلوب دفعه الفائدة المحملة.
كيف تعمل الفائدة؟
يحدد البنك المركزي للبلد سعر فائدة معيارياً يوجه البنوك الأخرى عندما تقرر نطاقات أسعار الفائدة التي تقدمها، تقوم البنوك بفرض إضافة على هذا المعدل عند تقديم قروض للمستهلكين والشركات، وتعتبر الحالة العامة للاقتصاد عاملا رئيسيا في سياسة البنك المركزي تجاه الفائدة.
تتأثر أسعار الفائدة الفردية كذلك بجودة الائتمان للمقترض، فعندما يعتبر المقرض أن المقترض منخفض المخاطر فعادة ما يحمله فائدة أقل، بينما إذا كان المقترض عالي المخاطر فإن سعر الفائدة الذي يتحمله سيكون أعلى أي أن قرضه سيكون بتكلفة أعلى، ويتم تقييم المخاطر عادة عندما ينظر المقرض إلى درجة ائتمان المقترض.
بعبارة أخرى إذا كان للمقترض تاريخ ائتماني سيئ فيمكن اعتباره “عالي المخاطر”، وإذا تم منحه قرضا فسيتم تحميل الفائدة مستوى أعلى يتناسب مع الجدارة الائتمانية للمقترض، والعكس صحيح أي أن المقترضين الذين يتمتعون بجودة ائتمانية جيدة يمكن تخفيض الفائدة على قروضهم لتكون أقل من المتوسط حتى.
وبالحديث عن الجدارة الائتمانية فهي الطريقة التي يقرر من خلالها المقرض أن هذا المقترض جدير بالحصول على القرض أم لاـ، آخذا في الحسبان عدة عوامل مثل:
– سجل الدفع أي أن هذا الشخص يمتلك القدرة على السداد في الوقت المحدد ويلتزم بدفع الأقساط في مواعيدها دون تأخير، أم أن لديه تاريخ سابق في التخلف عن السداد أو حتى تعسر تسديد الديون.
– الضمانات والأصول المتاحة في حال وجود احتمالية للتخلف عن السداد.
ونلاحظ أن أسعار الفائدة تميل إلى الارتفاع مع ارتفاع معدل التضخم، وبالتالي تصبح تكلفة الدين مرتفعة مما يؤدي إلى إبطاء طلب المستهلكين على القروض، تقوم البنوك كذلك أحيانا بزيادة أسعار الفائدة لمكافحة التضخم عبر تقليل المعروض النقدي الإجمالي في الاقتصاد، حيث إنه عندما تكون تكلفة الاقتراض عالية يثني هذا المستهلكين عن الحصول على قروض باهظة الثمن مما يؤدي إلى تباطؤ الإنفاق فينتج عن ذلك انخفاض الأسعار وإبطاء التضخم.
العوامل التي تؤثر على تحديد معدل فائدة الاقتراض
هناك العديد من العوامل التي تؤثر على تحديد معدل أو قيمة فائدة الاقتراض، مثل:
1. مبلغ القرض
2. نوع القرض.
3. مدة سداد القرض.
4. نوع الفائدة.
5. قيمة الدفعات أو الأقساط الشهرية.
6. السجل الائتماني للمقترض ودرجة الائتمان.
7. نسبة الدين إلى الدخل.
8. سيولة القرض
9. مقدار التضخم المتوقع.
10. إجراءات الحكومة لسياسة أسعار الفائدة.
11. خطر التخلف عن السداد.
أبرز أشكال الفائدة في المجالات المختلفة من حياتنا:
أشكال الفائدة في حياتنا اليومية لا حصر لها وتتنوع بين فائدة مستحقة يتم دفعها وأخرى يتم تقاضيها، وتكون ضمن نوعين:
– الفائدة على الديون المقسطة
يكون هذا الشكل من الفائدة مع قروض مثل الرهون العقارية، قرض المنزل، قرض السيارة، القروض الطلابية، التجارية والشخصية، ويتم تحصيل قيمة الفائدة من هذا النوع ضمن القسط الشهري لسداد القرض والذي يتكون من الدفعة الشهرية التي يجب دفعها لسداد جزء من الأموال المقترضة بالإضافة إلى جزء من تكلفة الفائدة والتي يتم تقسيمها على عدد أشهر سداد المبلغ الذي تم اقتراضه ويتم الاتفاق عليها مسبقا بين جهتي الإقراض والاقتراض.
– الفائدة المتجددة
يكون هذا الشكل من الفائدة في الديون المتجددة، أي أنه يمكنك الاقتراض شهرا بعد شهر وتزول الفائدة بزوال الديون مستحقة الدفع، ومن أهم الأمثلة على هذا الشكل من الفائدة ديون البطاقات الائتمانية، حيث تسمح لك بطاقات الائتمان بالإنفاق بشكل متكرر طالما بقي إنفاقك أقل من حد الائتمان الخاص بك.
فيما يلي سنذكر أهم أمثلة الفائدة في الحياة اليومية:
• بطاقات الائتمان
تعتبر البطاقات الائتمانية واحدة من الأشكال التي يتم تحقيق أكبر قدر من الفائدة من خلالها، وذلك بسبب وجود نسبة فائد سنوية مرتفعة ضمنها، وفي الوقت الذي يمكن للمستهلكين سداد الأقساط يشكل شهري طالما لم يتجاوزوا الحد الأقصى المسموح به، يقع الكثير من الأشخاص ضحية لسحر البطاقة الائتمانية وذلك بسبب سهولة حملها في كل مكان وإغراء الدفع عبرها حتى إن لم يكونوا يمتلكون رصيدا كافيا في حساباتهم البنكية، مما يتسبب في تجاوزهم للحد المسموح به وغرقهم في ديون متراكمة ومع عدم قدرتهم على تسديد الأموال المقترضة في الوقت المحدد لها تتراكم مصاريف الفائدة عليهم.
• الرهون العقارية
وهي أحد أنواع القروض طويلة الأجل التي تتضمن فائدة على كامل مدة القرض والتي تصل في كثير من الأوقات إلى 30 عاما، وقد تكون فائدة الرهون العقارية من النوع الثابت على مدار فترة القرض أو متغيرة مع مرور الوقت وفقا لعدة عوامل.
• قروض السيارات أو القروض الشخصية
وعادة ما تكون قروض قصيرة الأجل لفترات يبلغ أقصاها 6 سنوات في كثير من الأحيان على أساس معدل فائدة ثابت، ويمكن التقدم لأخذ قرض السيارة إما عبر البنك أو وكالة السيارات نفسها من خلال قسم تمويل داخلي لديها يقوم بتحصيل إيرادات الفوائد.
• قروض الطلاب
وهي قروض قصيرة الأجل خاصة بفئة الطلاب ضمن معايير معينة تتوافق مع ظروفهم الدراسية ويمكن تسديدها عبر دفعات ميسرة أو يتم تأجيل تحصيلها لحين انتهاء الطالب من دراسته واستلامه وظيفة ليتمكن من تسديد ما عليه من مستحقات من خلال راتبه، ومن الجدير بالذكر أن القروض الطلابية من الممكن أن يتم تحصيلها عبر البنوك ضمن آلية معينة أو عبر مؤسسات متخصصة في هذا المجال.
• حسابات التوفير
وهي نوع إيجابي من الفائدة للمستهلكين، حيث تربح حسابات التوفير تقييمات شهرية للفائدة بطلق عليها أيضا اسم “أرباح الأسهم”، وتتم إضافة هذه الفوائد بشكل تلقائي إلى الحساب.
• الفواتير
تقوم العديد من الشركات بتحصيل الرسوم الفواتير المتأخرة دون أي فوائد إضافية، في حين تعمد بعض الشركات إلى إضافة رسوم فائدة على الفواتير المستحقة والمتأخرة.
الخلاصة
الهدف من هذا المقال ثقافي بحت للتعرف على أهم مصطلحات الاقتصاد وأكثرها شيوعا واستخداما، ولا ينصح باللجوء إلى الفائدة بأي حال من الأحوال لا من جهة الاقتراض ولا من جهة الائتمان لأسباب عدة منها على سبيل المثال لا الحصر:
- أولاً: أن الفائدة تتعارض تماما مع أحكام الشريعة الإسلامية.
- ثانياً: أن أسعار الفائدة تعتبر السبب الأول والأكبر لارتفاع معدلات التضخم في العالم.
- ثالثاً: تعتبر الفائدة أكبر عائق لعجلة التنمية الاقتصادية، ففي حالة الاقتراض يغرق المقترضون حتى أذنيهم في فوائد قد تتراكم وتتضاعف بشكل يبتلع مدخولاتهم ولا يسمح لهم لا بالادخار وبالاستثمار وتحسين مستوى معيشتهم، أما في حالة الائتمان يستسهل أصحاب رؤوس الأموال إيداع أموالهم في البنوك للاستفادة من فوائدها بشكل سهل وآمن دون أن يتكلفوا عناء استثمارها في مشاريع أخرى قد تدر عليهم مدخولاً أكبر وتوفر فرص العمل لأعداد كبيرة من الناس مما سيؤثر بشكل إيجابي على معدل البطالة وما ينتج عن انخفاضها من فوائد لعجلة الاقتصاد الدائرة، ويرجع القرار في النهاية إلى الشخص نفسه فهو أدرى بظروفه وبالأهداف التي يريد تحقيقها.