تتزايد المخاوف مع تزايد التنبؤات من قبل الخبراء والمحللين الاقتصاديين بأن عام 2023 قد يشهد ركود اقتصادي محتمل، فقد عاش الاقتصاد العالمي عاما صعباً في 2022 عانى فيها من تبعات الحظر والإغلاق العالمي الذي ترافق مع جائحة كورونا Covid19، والحرب الروسية الأوكرانيا وما تبعها من توترات جيوسياسية اقتصادية عالمية.
ما هو الركود الاقتصادي؟
الركود هو حدوث انكماش كبير في النشاط الاقتصادي قد يستمر لشهور أو حتى سنوات، وعادة ما يصاب الاقتصاد بالركود عندما يعاني اقتصاد الدولة من الناتج المحلي الإجمالي السلبي، مما يؤدي إلى ارتفاع معدلات البطالة، انخفاض معدل الإنفاق وتقلص مقاييس الدخل والتصنيع لفترة من الزمن (ربعين متتاليين من السنة تقريباً).
تعتبر حالات الركود الاقتصادي جزء لا مفر منه من الدورة الاقتصادية ضمن الإيقاع المنتظم للتوسع والانكماش الذي يشهده اقتصاد الدولة.
ما هي الأسباب التي قد تؤدي إلى حدوث ركود اقتصادي؟
تتعدد الأسباب التي قد تؤدي إلى حدوث ركود اقتصادي، أهمها:
1. صدمة اقتصادية مفاجئة
الصدمة الاقتصادية هي عبارة عن مشكلة مفاجئة تؤدي إلى أضرار مالية جسيمة، ومن أبرز الأمثلة على الصدمات الاقتصادية في التاريخ ما حدث في سبعينيات القرن العشرين عندما قطعت أوبك إمدادت النفط عن الولايات المتحدة الأمريكية دون سابق إنذار مما أدى إلى حدوث أزمة اقتصادية خطيرة نتج عنها حدوث ركود اقتصادي بسبب شح البترول ومشتقاته وتأثير ذلك على القطاعات الحياتية المختلفة أبسطها طوابير انتظار لا تنتهي أمام محطات الوقود.
ويعد تفشي فيروس كورونا Covid19 الذي أدى إلى إغلاق جميع المرافق وشل النشاط الاقتصادي في جميع أنحاء العالم، من أحدث الأمثلة على الصدمة الاقتصادية المفاجئة.
2. الديون المفرطة
عندما يفرط الأفراد والشركات في تحميل الديون ويتخطوا الحدود المسموح بها، يمكن أن تنمو تكلفة خدمة الدين لتصل إلى مرحلة قد لا يتمكنوا فيها من تسديد الديون المستحقة عليهم، وقد تنقلب حالات التخلف عن سداد الديون إلى إفلاس اقتصادي.
ومن أهم الأمثلة على الديون المفرطة التي أدت إلى ركود اقتصادي، الركود العظيم والأزمة المالية العالمية التي بدأت في الولايات المتحدة الأمريكية بين عامي 2007- 2008 ثم امتدت إلى باقي دول العالم التي يرتبط اقتصادها بشكل مباشر بالاقتصاد الأمريكي (الأوروبية- الآسيوية- الخليجية- والدول النامية)، والتي نتجت عن أزمة الإسكان وتراكم ديون الرهون العقارية.
لقد كان هذا الركود الأسوء من نوعه منذ الكساد الكبير عام 1929، وكان من أبرز تبعات هذه الأزمة انهيار العديد من البنوك العالمية التي بلغ عددها 19 بنك في الولايات المتحدة وحدها، فقدان الثقة في القطاع المصرفي والنزوح الجماعي للمستثمرين إلى السوق الرقمي بعيد إطلاق عملة بيتكوين BTC عام 2009.
3. فقاعات الأصول
إن قرارات الاستثمار غير المحسوبة والمدفوعة بالعواطف التي قد يتخذها المستثمرون في مراحل الاقتصاد القوي تحت تأثير الحماس والتفاؤل عادة ما تكون ذات نتائج اقتصادية سلبية وغير مرضية.
وقد أشار رئيس الاحتياطي الفيدرالي السابق ألان جرينسبان Alan Greenspan إلى هذه الحالة باسم الوفرة الغير منطقية “Irrational Exuberance” لوصف المكاسب الضخمة في سوق الأسهم أواخر التسعينات، حيث تؤدي الوفرة اللامنطقية إلى تضخم سوق الأسهم، فقاعات العقارات أو فقاعة العملات الرقمية على سبيل المثال، وعندما تنفجر الفقاعات يمكن أن يؤدي البيع بدافع الذعر (FOMO) إلى انهيار السوق مما يتسبب في حدوث ركود.
4. التضخم المفرط
التضخم هو الاتجاه التصاعدي المستمر للأسعار بمرور الوقت، ولا يعد التضخم بحد ذاته أمرا سيئا إلا ان التضخم المفرط يعتبر ظاهرة خطيرة.، وتتحكم البنوك المركزية في التضخم من خلال رفع أسعار الفائدة في غضون ذلك يعمل ارتفاع أسعار الفائدة على الحد من النشاط الاقتصادي بسبب ارتفاع تكاليف الاقتراض لإنشاء مشاريع جديدة أو توسعة مشاريع قائمة بالفعل.
ولعل ما نشهده اليوم من تضخم عالمي مفرط هو الأكبر منذ عقود الذي سببته العديد من الأحداث مثل تداعيات جائحة كورونا، الحرب الروسية الأوكرانية وما تزامن معها من أزمتي الطاقة والغذاء، مما أدى بالبنوك المركزية العالمية إلى رفع أسعار الفائدة إلى مستويات قياسية وغير مسبوقة منذ زمن طويل أحد أهم الإشارات على إمكانية حدوث ركود اقتصادي عالمي في 2023.
5. الانكماش المفرط
بينما قد يؤدي التضخم المفرط إلى إمكانية حدوث ركود اقتصادي، يعتبر الركود الذي قد يسببه الانكماش الاقتصادي أسوأ وأكثر خطورة.
فعندما تنخفض الأسعار بمرور الوقت يحدث الانكماش، وكلما انخفضت الأجور أدى ذلك إلى المزيد من انخفاض الأسعار إلى أن تخرج مستويات الانكماش عن السيطرة فيتوقف الناس والمؤسسات عن الإنفاق مما يؤدي إلى تقويض الاقتصاد، في حين تفتقر البنوك المركزية والاقتصاديين إلى وسائل لحل المشكلات التي تسبب الانكماش، وقد اختبرت اليابان صراعات كبيرة مع الانكماش في تسعينيات القرن الماضي أدى إلى حدوث ركود حاد فيها.
6. التغير التكنولوجي
ينعكس التطور التكنولوجي بشكل إيجابي على النمو الاقتصادي وزيادة الإنتاج على المدى الطويل، ولكن قد يحتاج التكيف مع هذا التطور إلى بعض الوقت.
في القرن التاسع عشر، كانت هناك موجة من التطور التكنولوجي الموفر للأيدي العاملة، حيث حلت الآلة محل البشر في إنجاز العديد من المهام مما أدى إلى اختفاء العديد من المهن وكأنها لم تكن، وقد نتج عن ذلك ركود وأوقات عصيبة عاشتها الدول في ذلك الوقت.
وها هو التاريخ يعيد نفسه، حيث يشعر بعض الاقتصاديين اليوم بالقلق من أن التطور الهائل في مجال الذكاء الاصطناعي والروبوتات قد يتسبب في حدوث ركود من خلال القضاء على فئات كاملة من الوظائف.
هل يشهد عام 2023 ركودا اقتصاديا؟
يعتقد معظم الاقتصاديين أن الركود أمرا وارد الحدوث في عام 2023، يرجع ذلك إلى توفر أسباب حدوثه فقد عانى الاقتصاد العالمي من عاما صعبا حيث أدى التضخم المرتفع لعقود إلى تقليص الإنفاق بعد الإغلاق العالمي مما دفع البنوك المركزية إلى رفع أسعار الفائدة ورفع تكاليف الاقتراض إلى مستويات غير مسبوقة للسيطرة عليه.
يتفق العديد من الخبراء على احتمالية حدوث ركود ولكن الآراء تختلف بشأن مدته وشدته، حيث يعتبر تحديد بداية ونهاية فترة الركود أمرا صعبا نظرا للقطاعات والأدوات المختلفة التي تحرك الاقتصاد لذا غالبا ما تفاجئ فترات الركود الجميع.
بالرغم من قتامة المشهد هناك بعض النقاط المضيئة، فبالتزامن مع احتمالات الركود يرجح بعض الخبراء إمكانية حدوث انخفاض في النمو كاحتمال آخر وارد الحدوث بدلا من الركود الاقتصادي، يرجع ذلك إلى المحاولات المستميتة من البنوك المركزية والحكومات لحل المشكلات القائمة بأكثر الطرق فعالية ومع أخذ جميع المؤشرات بعين الاعتبار، فهي تعمل على ترويض التضخم لرفع معدل النمو شيئا فشيئا وتدريجيا إعادة موازنة العرض والطلب في سوق العمل لخفض ضغوط الأجور والأسعار وتقليص معدل البطالة وهذا بدوره سيكون له أثر إيجابي على الناتج المحلي الإجمالي.
كذلك، يتوقع غالبية كبار الاقتصاديين نموا معتدلا أو قويا في منطقة الشرق الأوسط، شمال إفريقيا وجنوب آسيا، بينما يرون أن النمو سيكون ضعيفا في الولايات المتحدة وأوروبا، ما يعني أن الركود المحتمل أو تراجع النمو ستختلف شدته وتأثيره من بقعة جغرافية إلى أخرى.
ختاماً، مما سبق نستنتج أن الظروف مواتية جدا لحدوث ركود اقتصادي عالمي حيث تجتمع في يومنا هذا العديد من الأسباب والعوامل التي قد تؤدي إلى حدوث ركود، مع ذلك قد تتبدد جميع الاحتمالات إذا لجأت الحكومات إلى سياسات اقتصادية رشيدة لمعالجة المشكلات الاقتصادية القائمة بالإضافة إلى حل النزاعات العسكرية والسياسية الدائرة مما سيكون له عظيم الأثر على إنهاء العديد من الأزمات وعلى تعافي الاقتصاد العالمي.