ما هو التيسير الكمي و كيف يؤثر على اقتصاد الدولة؟

تم تداول مصطلح التيسير الكمي بشكل واسع النطاق خلال جائحة كوفيد-19 مطلع عام 2020 كحل لجأت له البنوك المركزية للحد من الآثار الاقتصادية للجائحة، ولكن بالرغم من تداول المصطلح على هذا المستوى من الانتشار من خلال مواقع التواصل الاجتماعي بل وأيضاً في المجالس الفردية التي تتناول الحديث عن الازمة ومدى توسعها إلا أن العديد من الناس لا يمتلكون تغطية معرفية كافية عن طبيعة هذا المصطلح، في هذا المقال نوضح طبيعة التيسر الكمي أو التسهيل الكمي وجميع الجوانب المعرفية المتعلقة به.

ما هو التيسير الكمي Quantitative Easing؟

برنامج اقتصادي ونقدي لتيسير وتسهيل التدفق النقدي في السوق خلال فترات الركود الاقتصادي التي تمر في حياة الدورة الاقتصادية من خلال شراء البنوك المركزية كميات كبيرة من الأصول المالية لضخ النقد بشكل مباشر في السوق وكذلك تقديم تسهيلات على امكانية وصول الأفراد والمؤسسات إلى الديون والحركات الائتمانية منخفضة التكلفة وبذلك فهو يستكفي جميع عوامل دفع الاقتصاد للنمو، فأي حالة اقتصادية بحاجة للتغير الإيجابي تحتاج بالضرورة زيادة ملحوظة في الطاقة الانتاجية وكذلك تطوير القاعدة التكنولوجية, وكإنعكاس مباشر يتدفق النقد بسهولة وسلاسة في الأسواق، إلا أن التسهيل الكمي يحرص على توفير المناخ المناسب لتوفر هذه الشروط ولكن ليس بهدف تطوير الاقتصاد بشكل مباشر بل للحد من آثار كارثة اقتصادية حالية أو متوقعة في المستقبل المنظور.

من المتعارف عليه بأن الاقتصاد الكلي ما هو إلا سلسلة من الحلقات المترابطة والتي تؤثر وتتأثر ببعضها بشكل مباشر، فعند قيام البنوك المركزية أثناء تنفيذ برنامج التسهيل الكمي بشراء أصول مالية مملوكة للبنوك في الدولة هذا الأمر يزيد من مستوى توفر النقد لدى البنوك التي افتقدت بشكل حقيقي لهذه المستويات الإيجابية من النقد خلال الأزمة الاقتصادية، وبدورها تقوم بمنح مزيد من القروض مما يزيد من احتمالية تخفيض أسعار الفائدة وزيادة كمية النقد في النظام الاقتصادي, فيزداد الاستهلاك وبدوره ينعكس على مستوى الوظائف المتاحة ايجابياً.

 

[better-ads type=”banner” banner=”2198″ campaign=”none” count=”2″ columns=”1″ orderby=”rand” order=”ASC” align=”center” show-caption=”1″][/better-ads]

 

كيف يؤثر التيسير الكمي على النمو الاقتصادي؟

الاقتصادات بأنواعها: (اقتصاد نامي أو اقتصاد متقدم) يجب أن تتميز بمعدل نمو ثابت ومنطقي لكي تتمتع بمستوى مقبول من الاستقرار، فإذا تباطيء معدل النمو أو توقف فيمكن وصف هذا الاقتصاد على أنه اقتصاد راكد، وإذا وصلت معدلات النمو إلى مستويات سالبة فيمكن وصفه بأنها حالة كساد، ولعل أبرز الفروقات بين الاقتصاديات النامية والمتقدمة هو معدل النمو، لذلك تسعى البرامج الاقتصادية للحكومة جاهدةً إلى الحفاظ على معدل نمو مقبول من خلال مساعي زيادة الإنتاج وتطوير النظام المالي والنقدي القائم:-

أولاً: العمل على زيادة الانتاج

النمو السكاني المتزايد يحتاج بالضرورة لزيادة الإنتاج والتي يمكن الوصول إلى هذا المسعى من خلال زيادة عدد العاملين والعمل على زيادة كفائتهم، والتي عادة ما تكون الخيار الرئيسي الأهم في الدول النامية التي تتمتع بكثافة سكانية عالية، ـما في الاقتصاديات المتقدمة التي تتمتع بمعدل نمو سكاني بسيط مثل ألمانيا فإن التوجه في مسعى زيادة الانتاج يعتمد على مَيكنة الانتاج بالاعتماد على التكنولوجيا.

ثانياً: تطوير النظام المالي والنقدي القائم

زيادة الإنتاج تحتاج بالضرورة مزيد من سلاسة التدفق النقدي في الأسواق لاستمرار التحسن في أداء الإنتاج، يعني أن الزيادة في الانتاج تحتاج تزايد مقابل في التدفق النقدي يلبي احتياجات هذا التطور، ويتوفر هذا المسعى من خلال انشاء نظام نقدي شبه مركزي يتكون من بنك مركزي ينظم جميع الجوانب النقدية ومجموعة من البنوك الخاصة التي تقدم خدماتها بشكل مباشر للمواطنين، الآن اطبع ورقة مالية غير قابلة للتزوير وقم بطرحها في السوق بصفتك البنك المركزي للدولة على أن يكون لممتلك هذه الورقة الحق باستبدالها بالثروة التي تساويها هذه الورقة في أي وقت شاء بغض النظر عن طبيعة التغطية لقيمة هذه الورقة سواء كانت محكومة بثروات معدنية أم بموارد اقتصادية أخرى، بهذا الشكل تم ابتكار الأوراق النقدية، ويمكن القيام بهذه العملية عدد غير محدود طالما كنت تمتلك ثروة تغطي قيمة الأوراق التي تم إنتاجها، الآن يمكنك إنشاء مستوى آخر من الانتاج النقدي من خلال البنك المركزي، وهو أن تقوم بطباعة سند حكومي تقوم البنوك بشراؤه لأجل مسمى مقابل نسبة فائدة يقوم بتسديدها البنك المركزي لحامل هذا السند بعد انتهاء مدة الدين، الان إذا اردنا استمرار النمو الاقتصادي في البلاد يجب أن يقوم البنك المركزي بتغطية هذا النمو من الإنتاج النقدي مع ضرورة الحفاظ على مستوى مستقر أي أن لا يزيد أو يقل عن مستوى النمو في الإنتاج حتى لا يؤدي هذا الأمر لازمة اقتصادية ويتم قياس مستوى الاستقرار في النظام النقدي بمستوى الأموال المتداولة في السوق.

لتوضيح تأثير التيسير الكمي على الاقتصاد وفقاً للحقائق المذكورة سابقاً دعونا نعيد صياغة جميع المعلومات المذكورة في مثال:

يقوم أحد الأشخاص بالذهاب إلى البنك وايداع مبلغ 1000 دولار، بفضل النظام الاقتصادي والنقدي في البلاد المذكور في البند الثاني يحق للبنك الخاص أن يقوم بالاحتفاظ فقط بمقدار 10% من الأموال المودعة وإقراض النسبة المتبقية أو استثمارها في الأدوات الاستثمارية التي يراها مناسبة، فيقوم بالبنك بإقراض مبلغ 900$ من المبالغ المودعة إلى شخص آخر، هذا الشخص الآخر يقوم باستئجار بيت من شخص ثالث بهذه القيمة من المال، ويقوم الشخص الثالث بإيداع المبلغ في البنك، الآن البنك يستطيع إقراض 90% من المبلغ الجديد المودع 900$ لشخص رابع أي 810$ وهكذا.

الشخص الاول يمتلك 1000$ في حسابه.
الشخص الثاني مدين بمبلغ 900$.
الشخص الثالث يمتلك 900$ في حسابه.
الشخص الرابع مدين بمبلغ 810$

أي أن النظام الاقتصادي أصبح يمتلك مبلغ 2710$ تدور في شكل حلقات ذهاباً واياباً في السوق ولكنها في الحقيقة 1000$، وهذا هو تأثير التيسير الكمي على السوق.

 

[better-ads type=”banner” banner=”3951″ campaign=”none” count=”2″ columns=”1″ orderby=”rand” order=”ASC” align=”center” show-caption=”1″][/better-ads]

 

كيف يؤثر التيسير الكمي على سوق الفوركس؟

تؤثر قرارات التيسير الكمي بشكل فوري على جميع الأدوات المالية ذات العلاقة، ويمكن رصد هذا التأثير من خلال التغير الفوري في أسعار هذه الأدوات المالية فور الإعلان عن طبيعة برنامج التيسير الكمي، فنظرياً تعتمد فكرة عمل التيسير الكمي على ضخ مزيد من النقود السائلة في السوق, وبالتالي ازدياد المعروض من الأوراق المالية فتنخفض قيمة العملة, ولكن هذا التأثير اللحظي الذي قد يمتد لوقت قصير المدى, عملياً فإنه بعد هذا الانخفاض في قيمة العملة يتوقف التدهور, وتبدأ تأثيرات التيسير الكمي الإيجابية على الاقتصاد، على الأقل سيتوقف الإنخفاض في سعر صرف العملة إن لم يكن ارتفاع بمقدار جيد من النقاط.

على سبيل المثال قامت الولايات المتحدة الامريكية في نهاية 2008 بالإعلان عن الجولة الأولى من برنامج التيسير الكمي للحد من التأثيرات الاقتصادية لأزمة الرهن العقاري، خلال الأسبوع الأول من الإعلان خسر اليورو ما يقارب 2000 نقطة مقابل اليورو الأوروبي, ولكنه خلال شهر تمكن من استرجاع جميع النقاط متجاوزاً الآثار الاقتصادية للأزمة.

باختصار، رد الفعل الأولي يكون بضعف الأدوات المالية ذات العلاقة، ولكن مع مرور الوقت تسترجع هذه الأدوات ما فقدته.

 

التيسير الكمي وأزمة كورونا

جائحة كورونا مطلع 2020 تسببت بأزمة اقتصادية عالمية غير مسبوقة مما دفع العديد من البنوك المركزية ذات الاقتصاد المتقدم لتقديم برامج متنوعة لتجاوز حالة الركود الاقتصادي العالمي التي كانت على وشك الحدوث، أحد مكونات هذه البرامج كان التيسير الكمي من خلال تخفيض أسعار الفائدة إلى مستوى يقترب من 0%، وقام الاحتياطي الفيدرالي بشراء أصول منوعة بقيمة تقترب 700 مليار دولار، وكذلك تخفيض خطوط المقايضة لتسهيل التدفق النقدي للمؤسسات المالية.

 

المزيد من المقالات الاقتصادية عبر مدونة IMMFX

 

 

التعليقات مغلقة.